في خضم الحياة اليومية، يمر الإنسان بلحظات من القلق أو التفكير المتكرر، وقد يشعر أحيانًا برغبة في التأكد من قفل الباب أو غسل اليدين أكثر من مرة. ولكن ماذا لو تحولت هذه التصرفات إلى طقوس متكررة تُفرض على الإنسان قسرًا، حتى تُفسد عليه يومه وعلاقاته؟ هنا نحن لا نتحدث عن مجرد قلق عابر، بل عن اضطراب نفسي يُعرف بالوسواس القهري.
ما هو الوسواس القهري؟
الوسواس القهري هو اضطراب نفسي مزمن يتميز بوجود أفكار وسواسية مزعجة ومتكررة تدفع الشخص إلى أداء سلوكيات قهرية، في محاولة منه لتخفيف القلق الناتج عن تلك الأفكار. هذه الأفكار أو السلوكيات قد تكون غير منطقية في نظر الشخص نفسه، لكنه يشعر بأنه غير قادر على التوقف عنها، مما يُسبب له ضيقًا نفسيًا ومعاناة كبيرة.
ويتكون من عنصرين رئيسيين:
الوساوس: وهي أفكار أو صور أو دوافع تتكرر بشكل مزعج وغالبًا ما تكون غير مرغوب بها.
الأفعال القهرية: وهي سلوكيات يكررها الشخص لكي يقلل من القلق الناتج عن الوساوس أو ليمنع ما يتخيله من ضرر.
أمثلة على الوسواس القهري
الخوف الشديد من التلوث، مما يؤدي إلى غسل اليدين بشكل مفرط.
التحقق المستمر من قفل الباب أو الفرن.
عدّ أشياء معينة أو تكرار كلمات في الذهن.
ترتيب الأشياء بدقة شديدة لا تحتمل الخطأ.
وساوس دينية مزعجة مثل الخوف من الخطأ في الطهارة أو الصلاة.
أفكار عن إيذاء الآخرين رغم أن الشخص يرفضها ولا يريدها.
أسباب الوسواس القهري
ليست هناك أسباب محددة واحدة، لكن يُعتقد أن هناك مجموعة من العوامل تساهم في ظهوره:
عوامل وراثية: وجود تاريخ عائلي لهذا الاضطراب قد يزيد من احتمالية الإصابة به.
اضطراب في كيمياء الدماغ: مثل نقص مادة السيروتونين التي تنظم الحالة النفسية.
عوامل بيئية أو نفسية: مثل التعرض لصدمة أو ضغط نفسي شديد.
طريقة التفكير: بعض الناس يفسرون الأفكار العابرة على أنها خطيرة أو تدل على شيء سيئ، وهذا يزيد من التوتر والوساوس
أعراض الوسواس القهري
الأعراض تختلف من شخص لآخر، لكن أكثرها شيوعًا:
أفكار وسواسية متكررة: تسبب قلقًا شديدًا.
سلوكيات قهرية: يقوم بها الشخص لتخفيف القلق، كغسل اليدين أو العد أو الترتيب.
إدراك الشخص أن هذه التصرفات غير منطقية: لكنه لا يستطيع التوقف عنها.
تأثر الحياة اليومية: من دراسة أو عمل أو علاقات بسبب هذه الأفكار والسلوكيات.
تأثير الوسواس القهري على حياة الشخص
هذا الاضطراب قد يؤثر على عدة جوانب من حياة المصاب، مثل:
العلاقات الاجتماعية: الشخص قد ينعزل أو يشعر بالخجل من تصرفاته.
العمل أو الدراسة: ضعف التركيز أو ضياع الوقت في الطقوس القهرية يؤثر على الأداء.
الحالة النفسية: قد يصاحب الوسواس القهري مشاعر اكتئاب أو توتر دائم.
أنواع الوسواس القهري
يظهر الوسواس القهري بعدة أشكال، منها:
وسواس التلوث والنظافة.
وسواس التحقق المستمر.
وسواس الترتيب والدقة.
وسواس العد والتكرار.
وساوس فكرية مزعجة (دينية، عدوانية، أو جنسية).
الفرق بين الوسواس القهري والشخصية الوسواسية
المهم التفريق بين شخص يعاني من "الوسواس القهري" وشخص لديه "شخصية وسواسية".
فصاحب الشخصية الوسواسية يحب النظام والدقة، لكنه لا يتضايق منها بل يراها جزءًا من شخصيته.
أما المصاب بالوسواس القهري فهو يتألم من هذه الأفكار والسلوكيات، ويرغب في التخلص منها لكنه يعجز.
طرق علاج الوسواس القهري
العلاج النفسي السلوكي
ويُعد من أنجح طرق العلاج، خاصة ما يُعرف باسم "التعرض ومنع الاستجابة"، وهو أن يُواجه الشخص ما يخيفه دون أن يقوم بالسلوك القهري، حتى يقلّ القلق تدريجيًا.
العلاج المعرفي
يركز على تغيير طريقة تفكير الشخص، وتعليمه كيف يتعامل مع الأفكار المزعجة دون أن يُضخمها أو يعطيها أهمية أكبر من اللازم.
العلاج الدوائي
بعض الأدوية التي تنظم المواد الكيميائية في الدماغ أثبتت فعاليتها، وتُستخدم بإشراف طبي متخصص. وغالبًا ما تُستخدم لفترات طويلة نسبيًا للحصول على أفضل نتائج.
العلاج المشترك
الجمع بين العلاج النفسي والدوائي يعطي نتائج ممتازة في أغلب الحالات.
العلاج المتقدم
في الحالات الشديدة جدًا أو التي لا تستجيب للعلاجات السابقة، قد تُستخدم تقنيات حديثة مثل التحفيز المغناطيسي أو تدخلات جراحية دقيقة، لكنها نادرة وتُستخدم في أضيق الحدود.
هل يمكن الشفاء التام من الوسواس القهري؟
الوسواس القهري من الأمراض المزمنة غالبًا، لكن الكثير من الناس يتحسنون بشكل كبير مع العلاج، ويتمكنون من إدارة حياتهم بشكل طبيعي.
الهدف من العلاج هو السيطرة على الأعراض وتقليل تأثيرها، وليس دائمًا التخلص الكامل منها. ومع المثابرة والمتابعة، يمكن الوصول إلى تحسّن واضح ومستقر.
الوسواس القهري ليس ضعفًا في الإيمان، ولا دلالًا زائدًا، ولا مبالغة كما يظن البعض.
إنه اضطراب حقيقي يُعاني فيه الإنسان من أفكار وسلوكيات تُثقله وتؤلمه، وقد لا يفهمه من حوله بسهولة.
الوعي، والتفهم، والدعم، إلى جانب العلاج المناسب، هي المفاتيح الحقيقية لمساعدة من يعاني من هذا الاضطراب النفسي المؤلم.
بصراحة، بعض الأحيان احس إن الكلام عن الوسواس القهري إمّا يُصغَّر لدرجة يخلوك تحسه مزاج، أو يُضخَّم لدرجة يصير تشخيص جاهز لكل سلوك متكرر وهو شي مو بس نفسي، بل كحالة يعيشها الجسد والعقل سوة شي مثل صراع داخلي صامت، محد يكدر يسمعه غيرك مرض يخلي الإنسان من شخص يختار إلى شخص يجبر والمصاب ما يحتاج حل بقدر ما يحتاج أحد يفهم عمق الكارثة اللي كاعد يعيشها بدون تهوين أو تهويل وأظن هنا، تحديدًا يبدأ طريق الشفاء مو من خلال نصائح محفوظة مثل "لا تفكر" أو "غير تركيزك"، بل من خلال مواجهة هالوساوس بصدق مو مزيف، وبوعي مو بخوف لأن الخوف جزء من المرض، مو أداة للعلاج